نقول: أولاً: نفرق بين أطفال الْمُسْلِمِينَ وأطفال الْمُشْرِكِينَ، فأطفال الْمُسْلِمِينَ الذين يموتون وهم صغار فقول أكثر العلماء: إنهم في الجنة، بل لو قيل: إنه إجماع؛ لما كَانَ خطأً؛ لأن من خالف لم يأت بقول ثابت إِلَى مخالف من السلف وإنما قد ينقل أن السلف قد اختلفوا في الأطفال، وهم إنما اختلفوا في الحقيقة في أطفال الْمُشْرِكِينَ؛ لأنه يولد عَلَى الفطرة في دار الإسلام ومن أبوين مسلمين فسوف يموت عليه، ومن مات وهو دون سن التكليف ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)) [البقرة:286] لا يحاسبه الله -عَزَّ وَجَلَّ- وهو دون سن التكليف.
ولهذا إذا رأى الطفل علامة البلوغ من شعر أو احتلام أو بلغ سنه الخامسة عشر أصبح من البالغين، فهل تقول له: أسلم وقل: لا إله إلا الله، ثُمَّ ابدأ بالصلاة؟ لا؛ لأن هذا ليس له أصل من كتاب الله ولا من سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما أحدثه بعض أهل الكلام لأنه مولود عَلَى الفطرة القويمة، وإنما انتقل من مرحلة ما دون التكليف إِلَى مرحلة التكليف والالتزام بالأحكام الشرعية،.
فنأخذ من ذلك أن أطفال الْمُسْلِمِينَ مسلمون، والأبناء تبع لآبائهم، فأبناء الكفار في أحكام الدنيا تبعاً لآبائهم، فلو ذهبنا نقاتل كفاراً فهل نقتل أبناءهم، الأصل: أننا لا نقتل طفلاً أو امرأة ولا شيخاً هرماً، ولكن لو خرج الكفار بأطفالهم وذرياتهم صفاً فسيموتون جميعاً الأطفال والنساء والكبار، فأطفالهم منهم -كما جَاءَ في الحديث- في أحكام الدنيا، ولهذا من ثبت أنه ابن لكافرين، فإنه يظل ابناً لهما في أحكام الدنيا، سواء كانا ذميين أو حربيين، ولا ينقل عن ذلك إلا بالأحكام الشرعية المعروفة، بحيث لا يكون له عليهما ولاية.
المقصود: أنهم في الدنيا تبع لآبائهم، وفي الآخرة يختلف الحكم لأمر آخر؛ لأن هنالك الحساب وهنالك حكمة الله، فعدله سبحانه يمنع جريان ذلك.
إذاً: فالأصل العام أن الأطفال تبعاً لآبائهم، وقد ثبت في الصحيحين: {أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رأى من عجائب ما رأى في عالم الغيب ومن جملة ما رأى، أنه رأى شيخاً كبيراً وحوله ولدان، فلما سأل الملَكين اللَّذَيْن يقولان له: انطلق: من هذا الشيخ؟ ومن هَؤُلاءِ الذين معه؟ فَقَالُوا: هذا إبراهيم، وهَؤُلاءِ الذين معه ولدان لمسلمين} وأيضاً جَاءَ في رواية ذراري أو ولدان الْمُشْرِكِينَ.
ولكن كلامنا الآن عن ولدان الْمُسْلِمِينَ، فنقول: إن هذا الحديث الصحيح المتفق عَلَى صحته دليل عَلَى أن أطفال الْمُسْلِمِينَ في الجنة، وقد اعترض عَلَى هذا القول بحديث عَائِِِشَةَ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْها- {لما أوتي بجنازة صبي فقالت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -ولم يقر عَائِِِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْها - أو غير ذلك يا عَائِِِشَةَ: الله أعلم بما كانوا عاملين إن الله قد خلق الجنة وخلق لها أهلاً ولها يعملون وخلق النَّار وخلق لها أهلاً ولها يعملون}.
فيجاب عن هذا بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعترض عَلَى
عَائِِِشَةَ في أنها قالت: إن أطفال الْمُسْلِمِينَ في الجنة، ولكنه اعترض عَلَى الإطلاق العام والتعيين عندما قالت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، فهذا الإطلاق يفهم منه: أن كل معين يموت من أطفال الْمُسْلِمِينَ يقال: في الجنة بصيغة الجزم -وكما سبق- أن الصحيح أن أطفال الْمُسْلِمِينَ في الجنة، أي: في الجملة، كالشهداء في الجنة في الجملة، لكن لا نستطيع التعيين.
ففي هذا الحديث أن
عَائِِِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- لما أن جزمت بذلك وأطلقت ولم تستثنِ فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رد الأمر إِلَى القدر العام، وهو أن الله تَعَالَى خلق الجنة وخلق لها أهلاً ولها يعملون وخلق النَّار وخلق لها أهلاً ولها يعملون، فلم ينف الجنة عن ذلك، ولكنه نهى عن الإطلاق العام،
وأما أطفال الْمُشْرِكِينَ فقد وقع فيهم خلاف.